گلـگامش . . .
(1)
لازال كلكامش يصحو على ضجيجِ مدينةً شُوّه وجهها الجميل بدخانِ
الانفجارات وغبار المفخخات أصاب عيونها الناعسة بالرَّمدِ .. أرعب قلوب براعمها الطرية
أزيز الرصاص .. أفزع صغار طيورها النائمة في أعشاشها بأمان صوت هدير المدافع .. مدينة
تتنفس أزقتها رائحة الموت وتزدحم جدران بيوتها العتيقة بـ لأفتات سوداء نقشت حروف نعيها
بحبر دماء الشهداء .. مدينة رضعت ثدي المصائب والنوائب منذ نعومة أظافرها وارتدت جلباب
الحزن منذ ان خط القدر رسم خارطتها على ارض الواقع ثكل فيها كل شيء الحجر والمدر والحيوان
والبشر حتى بات الحمام فيها لا يبارح هدهدته (يا كوكتي وين اختي؟ بالحلة اش تأكل؟ باقلاء
وين تنام؟ بأرض الله اش تشرب؟ ماء الله.) تلك الترنيمة التي تطلقها صباحاً الطيور الرمادية
اللون المعروفة بـ(الفاختة). وتتسم بالحزن والفجيعة المرتبطان بغربة ووحدة وقلق ومعاناة
.. مدينة تحتمي بمنخل امي الذي اتعبته سنوات الحصار والحروب والتغيرات السياسية والظروف
الامنية الصعبة ليقيها حر شمس تموز الحارقة وتتدفأ بظلِِ خوص سعف نخيلها الخمط الذي
غادره فلأحه وجف ماءه العذب من زمهرير شباط البارد.. مدينة تملأ شوارعها العتيقة سرادق
الفواتح ويخترق صمت هدوء ليلها البائس نحيب عويل اليتامى والارامل ولازالت في سماءها
تحلق غربان الشؤم .. مدينة تصحو كل يوم على فاجعة جديدة وتنام على صوت انسانها يردد
منذ سومر نداءه الازلي ( دللول ياولد يبني دللول )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق