قُبلة حمــد الآخيرة
:
( 6 )
أخيرا وبعد طول عناء توج بالزواج حب غيدة وحمد .. غيدة تلك الحوراء الإنسية ابنة ذلك الرجل الفلاح الذي مازالت أثار (المسحاة) مرسومة على كفيه وحمد ذلك الفارس النبيل ابن ذلك الرجل الفقير ورث عن أبيه مهنة البقالة أحبته غيدة بقلب فلاحة وعشقها حمد عشق الفقراء .. كانت كل صباح عند باب الدار تودعه بقُبلة تطبعها على صدره وهو يرد بقبله أخرى يرسمها على جبينها سألها كعادته قبل خروجه للعمل ماذا يرسل لها لتحضير الغداء وكالعادة أيضا أجابته بابتسامه (كلشي يطلع من ايدك حبيبي نعمه) خرج إلى عمله فانشغلت هي بهموم البيت والمطبخ. أدارت موجه المذياع لتستمع إلى الأغنية التي اعتادت على سماعها كل يوم (آنه أرد الوك الحمد. ما لوكن لغيره) وهي تحلم بطفل يأتي فيملأ البيت ضجيجا وسعادة وبين الحلم واليقظة تصحو على دوي انفجار يهز أركان البيت قالت (يارب سترك ) بعدها هدأت من روعها وأقنعت نفسها ربما انفجار إطار شاحنة كبيره كون بيتهم كان قريب من الشارع العام واستمرت تستمع إلى أغنيتها المفضلة ..وتنتظر حاجيات السوق التي تأخرت هذا اليوم كثيرا ولما قرب موعد وصول زوجها من العمل ذهبت إلى غرفتها وتزينت كالعروس كما هي عادتها في كل يوم في استقبال زوجها ولكن هذه المرة كانت تحمل بين طياتها عتب أحباب لتأخر وصول الحاجيات وفي أثناء استجماع جمل العتب الممزوج بالغنج والدلع وإذا بالباب يقرع فهرولت إليه بشوق المحبين لكنها وللحظة أحست إن طرقات الباب هذه المرة كأنها غريبة فتوجست خيفة نادت من خلف الباب (منهو) جاءها الجواب كالصاعقة (ولج انتي كاعده اهنا والسوك الي يشتغل بيه رجلج صار رماد ) بعدها فقدت حواسها الخمس وصار الحلم كابوس أسندتها إحدى جاراتها وأوصلتها إلى مكان الانفجار فلم ترى إلا أشلاء مقطعة اختلط فيها اللحم المحروق بالخضار والفاكهة كل شيء بدا عالما من الفوضى والدمار أين زوجها ..بل أين بقايا زوجها أخذت تبحث بين ركام الأشلاء المتناثرة هنا وهناك فجأة وقع بصرها على قطعة لحم بشرية ختمت بأحمر الشفاه حينها تذكرت القبلة الصباحية التي طبعتها على صدر زوجها قبل مغادرته البيت . . ثلاثة أيام مرت أسدل الستار عن مراسيم العزاء وفي اليوم الرابع سمعها الجيران تتمتم بصوت ضعيف (آنه ارد الوك الحمد. ما لوكن لغيره . . يجفّلني برد الصبح . . وتلجلج الليره . . يا ريل باول زغرته . . لعبته طفيره . . وهودر هواهم ،ولك .. حدر السنابل كطه) ثم أخذت أنفاسها تتسارع واعتلت محياها ابتسامة شوق إلى تلك السويعات الجميلة لتوفي بوعدها له أنها خلقت لأجله ووجدت لتغرس عنده وحوله الحب فلفظت أنفاسها الأخيرة بين أحضان حمد . . . ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق