الجمعة، 25 نوفمبر 2016

آخـــر أعترافات حمـــــد :

( 11 )


في مرايا الليل وحده يشرق وجه حمــد وما دونه يختفي حتى القمر ينثني خجلاً .. وفي روحه المصلوبة تتعثر السماء والنجوم والمجرات ومازالت الشمس تستحم ببَرَد شيب لحيته ويتلو الموت تعاويذ الرحيل فوق جسده النحيل والمسجى بين كفن التراب والوان العلم العراقي .. ترتسم خارطة جراح التعذيب على كل خلية من ذلك الجسد المتعب .. الهواء يختنق وبقايا انفاسه تتهجى أبجدية الوطن .. كان هنالك جسد مسجى فوق المغتسل مثل فزاعة تنتصب في قلب العدم وكانت يداه التي ادمتها قيود الطغاة تهدهد وجعه وتلم شعثه وتتهندم حزنه .. ولما فرغوا من خلع اخر قطعة قماش كانت تقبل جسده الدامي عثروا في احدى زوايا جرحه النازف على ورقة ملطخة بدم التعذيب كتب فيها آخر اعترافاته ؟

أقــر وأعترف امام الملا وأنا بكامل قواي العقلية وارهاصاتي القلبية النهارية منها والليلية أني خائن وكذاب اشــــر . . خائن لأني لست وطنياً حاولت أن أكون وطنياً مخلصاً بشتّى الطرق فلم أفلح !! وحاولت بكل ما اوتيت من قوة أن أفهم الوطنية فلم أستطع !! بالأمس القريب قتل في بيتنا عصفور صغير وأغلق التحقيق ضد مجهول !! كنت الشاهد على احداث الجريمة لكن ابي امرني بالسكوت وان لا أنطق ببنت شفه لان ابي كان يعتقد ان الحائط له أذنان يسمع بهم كلام الفقراء حين يهمسون مع انفسهم قول الحقيقة .. ابي المسكين كان يعتقد ان الذنوب من صنف الدهون لذا كان يتوضأ دائما وفي كل الفصول بالماء الساخن حتى يذيب اثر الذنوب .. أبي يؤمن بنظرية الهرجلة التي تقول ( اللي يأخذ امي ايصر عمي ) لذا كان طوال حياته ينعت الرفاق بالعمام .. انا على يقين اني رأيت القاتل بأم عيني كيف كان يصوب حجر مصيدته الى قلب عصفوري المسكين .. عصفوري مات شهيدا بحجر أحد الرفاق المناضلين والوطنيين مات عصفوري وتخلى عنه الجميع أنا وأبي وسكان مدينتي وحتى غصن الشجرة الذي كان اخر الشهود قال في محضر التحقيق ان موته كان قضاء وقدر .. ولكن ما الذي بيدي لأفعله و انا أنعت بالخيانة وأنا أختنق بالصمت حد الغثيان وأطعن بالتهديد ان فتحت فمي لأعترض. . لأني لست وطنياً ؟!! وكذاب اشــــر: لأني خالفت فتاواهم التي تأمرني بالطاعة العمياء وتجاوزت خطوطهم الحمراء والصفراء والخضراء . . كذاب اشــــر لأني قلت ان الله لم يأمر بسفك الدماء وان الحسين بن علي لم يكن طالب سلطة . . كذاب اشــــر لأنه لا يمكنني صم أذناي عن سماع صرخات اليتامى وعويل الارامل وأنين الثكالى ولا يسعني السكوت كما ألجمت بالأمس وضاع دم عصفوري البريء هدر .. فتنقلت بين المطامير وشهدت كل ألوان التعذيب ونعت بالجنون ورميت بكلمات الاستهزاء لأني كذاب أشر ولست وطنيا ؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق