السبت، 26 نوفمبر 2016

اوشَالْت عمر :

(2)



في فوضى غوغائية الجهل المقدس .. أول من أيقظ سمع طفولتي دوي انفجار ناتج عن قصف الطائرات الإيرانية لثكنة عسكرية بالقرب من مستشفى الأمراض الصدرية القريب من دارنا فأصبح الناس في هرج ومرج وخوف كنت أهرول نحو مكان الانفجار غير آبِه لخطورة الوضع وأسابق الريح للوصول إلى مكان الحادث تغمرني السعادة و أتساءل ببراءة الأطفال هَازِئاً (شبيه هاي الناس خايفه) ؟ أمي المسكينة لطمت خدها وشقت جيبها وهامت على وجهها تزاحم جموع الناس وتخترق سحب الدخان والأتربة المتطايرة من اثر الانفجار بحثاً عني ولهول ما أصابها كانت تقوم تارة وتسقط على وجهها تارة أخرى تنادي بين الجموع وتتصفح الوجوه ( يمه حمد وينك .. يمة يوحيد يبعد اهلي وطوايفي ) وفي الجهة الأخرى وسط هذا الذهول أبي هو الأخر نسى أن ينتعل نَّعْله فركض حافياً يصطدم بالأمواج البشرية الهاربة من مكان الانفجار وهو يمسك بيد هذا وعباءة تلك ( محد شاف ابني محمد .. محد شاف حمد .. يا ناس ابني ماكو ) .. وبعد أن هدأت الرنة وسكنت النفوس واطمأنت القلوب عدت إلى البيت أحمل في يدي شظايا من بقايا الصواريخ التي سقطت أثناء الغارة الجوية وكأن شيئاً لم يكن وجدت أبي يفترش شارعنا التربي واضعاً رأسه بين ركبتيه يندب ابنه الوحيد وأمي شارفت على الموت ونساء المحلة حولها يصبرنها على مصيبتها .. احتضنني أبي احتضان العائد من الموت وضمني إلى صدره بقوة وهو يبكي بنشيج الفاقد ( ليش أبني تسوي بينه هيچ ) .. كنت مستغرب ما الذي حصل ولماذا خيَّمَ الوجومُ والقلق على وجوه الناس ؟ .. كنت أرى وجوه صامتة عابسة ومترقبة للقادم من الأيام سألت أبي بفطرة الصغار ( شنو راح يصير)؟ قال : يا أبني إنها الحرب .. الحرب يا ولدي . فكانت الحرب العراقية الإيرانية أول إطلالة من خلالها أبصر نور الحياة .. و كِطفلٍ تأرجح بأرجوحة الأيام كنت أسعى حثيثاً بخطى متسارعة لأصلَ إلى ما أصبو إليه مثل كل الأطفال كنت أعتقد إني ولدت لأغتال الدمعة من عين أمي وأهزم جبال الهم التي أثقلت كاهل أبي وأملأ الفراغات بصدى ضحكات طفولية وشهقات صبا شقية .. كنت أظن إني سوف أنقش السعادة عنوة في قلوب هدهدها التعب وبطون أنهكها الجوع .. غير إن للواقع قوله وللقدر كلمة الفصل .. وما كل ما يتمنى المرء يدركه تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق