حمــد . . حيّ
يُرزق :
(3)
أعتذر لجميع الموتى الذين اغتالتهم يد الوطن الاثمة قبل ان
تعانق أحلامهم الوردية أرض الواقع .. فأنا الشاهد الوحيد واخر المجانين على أحداث المجزرة
وأنا العارف والرائي الذي القى نظرة الوداع على تلك المشاهد وتصفح تلك الوجوه الشاحبة
قبل ان يُلف حبل المشنقة الزيتوني حول رقابها .. أنا مجرد بصاص على الاحداث من خلال
خرم صغير في جدار خوفي وليس لي دور في مجريات الحكاية ولكن هاجس أحمق كان يصرخ
في ذاتي بصوت قد توجَّس في نطقه خِيفَةً عليك ان تدون احداث الحكاية اضطررت ان ابلل
لساني بمداد جرحي المتفسخ بعفن سياط الجوع وبصديد اغتصاب الانسانية لأنهم قيدوا يدي
خلف ظهري فاتخذت الليل جملا واسترقت من عتمته السواد الحالك سترا عن رادارات الوطن
التي ترصد كل ساكن ومتحرك يدنو من تلك الاجساد تخطيت رقاب الموتى المتدلية على الصدور
بحثا عن ضالتي .. (حمد) ذلك الكائن الذي اخترق حجب المجهول واوقف فتيل الاعصار الدوار
وابن الغوغاء والفوضى الذي أسقط اسطورة النظام الذي لا يقهر والباصق الاول بوجه الظلم
.. (حمد) لفظ انفاسه الاخيرة ببطء شديد جدا حتى ان حبل المشنقة كان ينزف دما عبيطا
لشدة صراعه مع رقبته النحيفة التي ابت ان لا تنحي امام جبروتهم فوقفت مشرئبه كسنابل
القمح الذهبية رغم قساوة حبل الجلاد .. تلك اللحظة كنت فيها خارج منطقة التغطية الزمانية
والمكانية عندما مسحت التراب عن ثغره الباسم وكأني قرأت في عيونه الناعسة ... لا تحزن
يا صديقي وكفكف دمعك .. الوطن يا صديقي لا يغتال ابناءه بل الجلاد من تقمص دور الوطن
واتخذه مطية باسم الوطنية ولأني وجدت كاهل الوطن مثقل ولا يحتمل المزيد تبرعت له بكاهلي
كي اكشف زيف جلبابهم واميط عن وجوههم الاقنعة .. الآن وبعد أكثر من عشرين عاما أنصت
لصراخ كومة العظام الطاهرة تدعوني ان ادون من جديد لحكاية جديدة فأنا الراصد للأحداث
اشهد إن حمد حي يرزق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق