حمــد الحلم المذبوح
:
( 9 )
اِعتصرت حزنها خمراً لتسكر في ذاتها عربدة الحنين وامتطت
اليأس زورقاً وراحت تبحر في بحر لجي من الذكريات وتنسج من عويل الشوق ثوباً يواري سواءة
الايام .. غيدة لثمت وجه الصبح من فيه وتوسلت بأولى خيوط نوره ان تعود ادراجها لتكمل
حلمها المذبوح ففي ليلة البارحة زارها في المنام حمد .. حمد لم يتغير منه شيء سوى هالة
النور التي استدارة حول وجهه الباسم وكعادته سألها كيف أنتِ ؟ وكيف من بعدي صرتي ؟
فتجمع الكلام عند مخرج نطقها فأرادت أن تقول له كم اشتاقت اليك كم افتقدتك كم توجعتك
وكم اختنقت شوقاً اليك .. ولكنها اختصرت كل ذلك بعبارة أني بخير .. حمد كان يتلو على
مسامعها صحائف عشقه ويداعب في مخيلتها اخر لقاء جمعه بها في ذلك اليوم الاستثنائي عندما
سيق الى الجبهة لأداء خدمة الاحتياط وقف وسط بيتهم الهرم والآيل للسقوط واسند ظهره
على شجرة (النبق) التي تتوسط فناء الدار ليودع بناته الأربع كان يمسك بالطفلة منهن
يقبلها ويشمها من عنقها شمة طويلة ثم يطبع على يدها ساعة للذكرى يطبعها بأسنانه وحين
فرغ من بناته دلف الى المطبخ لتوديع زوجته غيدة كانت تبكي وهي تجهز طبقات السفرطاس
الذي سيرافق زوجها الى الجبهة طهت له وقتذاك ديكاً محشواً بالرز والكشمش مع مرق الفاصولياء
المحبب لديه ثم دست معهن كيس خبز حار وباقة فجل مغسول .. ضمها الى صدره حمد وقبلها
وأمسك بيدها عنوة ليصنع لها ساعة فأبت وأجهشت بالبكاء فقال: ما بكِ ؟ لِمَ كل هذه الدموع
؟ هل تبكين على فراقي؟ قالت: لا قال: تبكين على بناتنا؟ قالت: لا لا قال: إذاً مما
بكاؤك ؟ قالت: (على الدجاجات شلون ينامن الليلة بلا ديك) فضحك ملء فيه ضحكة مجلجلة
وحضنها بقوة شمها من عنقها ثم طبع على يدها ساعة بأسنانه وخرج عند الباب إقترب منها
وهمس بأذنها: (حبيبتي لا تخافين الديچ راجع راجع) فقالت وهي ترش خلفه طاسة الماء: ياريت
ترجع يا بعد روحي .. بعد ستين يوماً فحسب باعت غيدة دجاجاتها الخمس واشترت بثمنهن خمسة
أثواب سوداء .. انتبهت من سنتها غيدة فوقفت في خشوع تتلو صلاة الفجر على روح حمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق